التحديات التي تواجه قطاع التمريض في لبنان
بقلم لورا المير وترجمة غسان مكارم
تؤدّي الممرضات القانونيات دورًا رئيسيًا في توفير الرعاية الصحية وتحسين الحالة الصحية على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني. ولهذا، فإن وجودهن النشط يُعتبر المفتاح لتحسين القيمة الشاملة للصحة العامة. وقد أعلنت المجموعة الإستشارية العالمية متعددة التخصصات التابعة لمنظمة الصحة العالمية عن وجود نقص في عدد الممرضات على مستوى العالم١. أمّا في لبنان فتنخفض نسبة الممرضات إلى السكان بشكل مثير للقلق، وقد أشار البنك الدولي إلى أن القطاع الصحي اللبناني يضم ١.٦٧٤ ممرضة لكل ١٠٠٠ من السكان2 مقارنة بمتوسط ٩ إلى ١٠٠٠ عالميًا.
تتعدد العوامل التي تسهم في التحدّي الأزلي المتمثل في النقص في التمريض، من التوظيف إلى الإستمرار. ويشهد لبنان إنخفاضًا ملحوظًا في الإلتحاق ببرامج التمريض٣، وهي حقيقة مقلقة حيث من المتوقع أن تصل ٦.٧٣ من الممرضات المسجلات إلى سن التقاعد خلال السنوات العشر القادمة. بالإضافة إلى ذلك، وإعتبارًا من العام ٢٠١٩، أعلنت ٧٠.٩٥٪ فقط من الممرضات المسجلات في نقابة الممرضات اللبنانيات أنهن يعملن حاليًا في لبنان٤، الذي قد يعود إلى تقاعد الممرضات في وقت مبكر، أو تغيير الخطط المهنية، أو الهجرة.
إكتسب عمل التمريض خلال جائحة كوفيد-١٩ دورًا حيويًا وكان في طليعة العمل على إكتشاف المرض وإدارته وإحتوائه. لذا، وأكثر من أي وقت مضى، من المهم توجيه الجهود نحو الدفاع عن حقوق التمريض، حيث ثابرت الممرضات في لبنان في ظروف أقل من مثالية لسنوات وتعرّضن لسوء المعاملة والتمييز وإنخفاض الأجور قبل كشف الجائحة عن نقاط الضعف في القطاعات الصحية حول العالم. ومع تأكيد أول حالة محلية في ٢١ شباط ٢٠٢٠، قد يتحوّل هذا النقص إلى أزمة وطنية.
مع ظهور أول حالة مؤكدة في لبنان في ٢١ شباط، ٦حظيت الممرضات ومقدمو/ات الرعاية الصحية بالكثير من الثناء في المراحل الأولى من الوباء. هتف لهن الناس ونظّمت وسائل الإعلام حملات تبرع لدعمهن. وقد يبدو لمن يشهد هذا من بعيد أن الممرضات موضع تقدير كبير وينلن أجور تتناسب مع جهودهن. لكن الممرضات اللواتي يخاطرن بحياتهن في مواجهة مرض شديد العدوى يكشفن عن كثير من الثغرات المنهجية التي تتحدى قدرة القوى العاملة المتبقية على الصمود.
في أيلول ٢٠٢٠، وثقت كاميرات المراقبة في أحد المستشفيات تعرّض ممرضة مسجّلة للإيذاء الجسدي من قبل طبيب أثناء العمل. قامت نقابة الممرضات والممرضين بإدانة الإعتداء في بيان رسمي على فيسبوك٧، علّقت عليه عدّة ممرضات وأعربن عن قلقهن من تقاعس النقابة، ردت عليها رئيسة المنظمة بالبيان المذكور أعلاه معلنة دعم النقابة المعنوي. لكنْ، وفي بلد تتعرّض فيه ٦٢٪ من الممرضات للإساءة اللفظية و١٠٪ للعنف الجسدي٨، يُفترض أن تتجاوز واجبات النقابة مجرّد الدعم العاطفي لتشمل الدعوة إلى ظروف عمل آمنة للممرضات. وكان ينبغي إستخدام هذه الحالة لحث السلطات على تنفيذ سياسات أكثر صرامة وغير متسامحة تحمي الممرضات وتعطي الأولوية لسلامتهن نظرًا لتفشي سوء المعاملة في مكان العمل.
وقد قامت النقابة هذا العام بإطلاق حملة تحت عنوان "حقنا ناخد حقوقنا" بغية تسليط الضوء على المظالم التي تواجه الممرضات والممرضين وأهمية المطالبة بالحقوق. عقدت النقيبة، كجزء من الحملة، إجتماعات مع عدّة أصحاب مصلحة لتسليط الضوء على خطورة حالة قلّة عدد الممرضات وظروف العمل التي يتعين عليهن تحملها. إنتهى كل اجتماع بالوعود ذاتها حول توجيه الجهود كافة للإحتفاظ بالممرضات٩، لكن من دون تغيير مهم. وبعد سنوات من التقاعس الحكومي، دعت نقابة الممرضات والممرضين إلى إضراب وطني كان مخططًا له في ٥ آب ٢٠٢٠، قبل أن يتم إلغاؤه إثر إنفجار ٤ آب١٠.
رغم أهمية وضرورة الإضرابات، يُتوقع من النقابة أن تكون أكثر فاعلية في الدفاع عن أعضائها، بالنظر إلى معاناتهن منذ سنوات من إنخفاض وتأخير دفع الأجور ونقص عدد الموظفين/ات. لقد جاءت الدعوة للإضراب بعد فوات الأوان وبعد أن تركت كثير من الممرضات وظائفهن وغيّرن خططهن المهنية، واختارت بعضهن العمل في الخارج.
يكشف تفاعل النقابة مع التعليقات على إطلاق الحملة حجم الفجوة بين إحتياجات الممرضات ومطالب النقابة وخطابها. كيف يكون "حقنا ناخد حقوقنا" عندما يُستقبل كل إنتقاد تنشره الممرضات على صفحة النقابة على فيسبوك بالسلبية وإلقاء اللوم على الضحية؟ يُفترض على النقابة أن توفر مساحة آمنة للممرضات للتعبير عن مخاوفهن، ومن ثمّ إستخدام هذه المعلومات لتحسين مهنة التمريض. فقسم التعليقات على صفحة النقابة مليء بالغضب حول جملة من القضايا: الأجور المنخفضة وقلّة الحماية والحد الأدنى من الإستجابة للهواجس وضعف المناصرة. وترد النقيبة شخصيًا على معظم التعليقات بإدعائها أن الممرضات المعترضات لا يبحثن جديًا عن الجهود التي تبذلها المنظمة لتحسين المهنة. لكن إذا كانت النقابة تقوم بالعمل اللازم للدفاع عن الممرضات، فلن نحتاج إلى البحث للتعرف عليه حيث يمكننا أن نشهده في مستوى الرضا الوظيفي.
من الردود الشائعة أيضاً أنّ الممرضات اللواتي لا تشاركن في الجمعيات العامة ولا تنشطن في النقابة ليس لهن الحق في إنتقاد أدائها. لكن لحضور الجمعيات العامة، يتعين على الممرضات دفع الإشتراك السنوي قبل شهر من إنعقادها١١، وهو عائق رئيسي أمام كثير من الممرضات اللواتي لم يحصلن على رواتبهن منذ أشهر ولسن قادرات على تسوية الدفعات خصوصاً في ظل الوضع الإقتصادي الحالي. وقد طالبت مجموعة كبيرة منهن بتخصيص الأموال المتأتية من حملات التبرع الخاصة بكوفيد-١٩ لتغطية رسوم النقابة، ولكن، وفقًا للنقيبة، لا يمكن إتخاذ مثل هذه القرارات إلا في الجمعيات العامة. فكيف يمكن للممرضات اللواتي تحتجن إلى تطبيق هكذا قرار المشاركة في الجمعية العامة؟
لا يقتصر النقص في مهنة التمريض على التقاعس، بل يأتي نتيجة الجشع التجاري. ففي جميع أنحاء العالم، رفعت المستشفيات من مستوى توظيف الممرضات المسجلات لتشكيل فرق عمل مرنة ضد الجائحة الحالية. لكن في لبنان، إستغل المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت الوضع غير المسبوق لتسريح ١٥٠ ممرضة، أصبحن بلا حول ولا قوة أمام الإنهيار الإقتصادي وحالة الطوارئ الصحية الدولية. وعلى الصعيد الوطني، تتعرّض الممرضات للفصل من وظائفهن ويتم دفعهن نحو البطالة أو التغيير الوظيفي بسبب ظروف العمل غير المواتية. وبشكل عام فإن التجارة في الرعاية الصحية متجذّرة في الأنظمة الرأسمالية، مما يعني النظر إلى التقديمات الصحية على أنها صناعة مدفوعة بالأرباح. لذا، ليس من المستغرب أن تحدد المستشفيات أولوياتها بناء على تعظيم الإيرادات بدلاً من تحسين الأمن والإستقرار الوظيفي.
بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن نسبة الإناث في مهنة التمريض الرسمية قد بلغت ٧٩.٥٢٪ من المجموع في العام ٢٠١٩، فإن النظام الأبوي يعرقل إستدامة القطاع، حيث غالبًا ما يتم التقليل من قيمة المهن، خصوصاً الرعائية منها، التي تهيمن عليها النساء بحيث تغدو ظروف العمل غير عادلة.
حاليًا، ومع تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد وتوقع إستمرار هذا الإتجاه، ستزداد الحاجة إلى الإستشفاء، خاصة في لبنان، حيث يعاني القطاع الصحي من إجهاد ونقص في الموظفين/ات وقلّة تجهيز، الذي يمكن أن يتحول هذا إلى أزمة لا مثيل لها على المستوى الوطني. ومع إمتلاء أسرة المستشفيات، سيزداد العبء على مقدمي ومقدّمات الرعاية الصحية، مما سيؤدي إلى إنخفاض خطير في نسبة الممرضات إلى المرضى. وقد ثَبُت أن هذا الأمر يؤدي إلى زيادة الإرهاق في التمريض وعدم الرضى ونية ترك المهنة. ولا يؤثّر هذا النقص على الممرضات فحسب، بل يمثل عقبة أساسية أمام محددات صحة السكان لأنه يؤدي إلى المزيد من الأخطاء الطبية وإرتفاع معدلات الوفيات والمراضة. لذلك، وأكثر من أي وقت مضى، على وزارة الصحة ونقابة الممرضات والممرضين وإدارات المستشفيات العمل على إستبقاء الممرضات وتحسين ظروف العمل لتجنب الآثار المدمرة التي يمكن أن تنجم عن هذا النقص.
1 World Health Organization’s Global Health Workforce Statistics. Global Advisory Group on Nursing and Midwifery: 2013 review. (2013).
2 Nurses and midwives (per 1,000 people) | Data. The World Bank (2019).
3 OECD. Health at a Glance. in (2017).
4 Alameddine, M. et al. The workforce trends of nurses in Lebanon (2009–2014): A registration database analysis. PLoS One 12, (2017).
5 Order of Nurses in Lebanon. Statistics issued by the Order. (2019).
6 MoPH. Minister Hasan Announces First Coronavirus Case In Lebanon (2020), accessible through the following link: https://moph.gov.lb/en/Pages/0/25528/minister-hasan-first-coronavirus-case-lebanon-
7 Annahar. تعرّض ممرضة للضرب على يد أحد الأطباء. https://www.annahar.com/arabic/section/77-مجتمع/23092020035536517 (2020).
8 Alameddine, M., Mourad, Y. & Dimassi, H. A national study on nurses’ exposure to occupational violence in Lebanon: Prevalence, consequences and associated factors. PLoS One 10, (2015).
9 MTV Lebanon. PM Diab meets President of Lebanon’s Order of Nurses. https://www.mtv.com.lb/en/News/Local/1035356/PM-Diab-meets-President-of-Lebanon’s-Order-of-Nurses (2020).
10 National News Agency. Order of Nurses announces strike on August 5. http://nna-leb.gov.lb/en/show-news/118232/Order-of-Nurses-announces-strike-on-August (2020).
11 Order of Nurses in Lebanon.(2002) النظام الداخلي
12 Beirut Today. AUBMC lays off hundreds of staff members. https://beirut-today.com/2020/07/18/aubmc-lays-off-hundreds-of-staff-members/ (2020).
13 The Daily Star. Medical layoffs augment coronavirus threat in Lebanon. https://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2020/Jul-20/509235-medical-layoffs-augment-coronavirus-threat-in-lebanon.ashx (2020).
14 Order of Nurses in Lebanon. Statistics issued by the Order. (2019).
15 Haddad, L; Annamaraju, P; Butler, T. Nursing Shortage. British Medical Journal (2020)