الأمن الغذائي لسكان لبنان
بقلم نينات جعجع وترجمة غسان مكارم
"إن توفير الغذاء بشكل آمن وبأسعار معقولة هو قضية أمن قومي." - عضو مجلس الشيوخ السابق دوغ أوز.
تعرّف منظمة الأغذية والزراعة الأمن الغذائي بتمتّع جميع الناس في كل الأوقات بإمكانية الوصول المادي والإجتماعي والإقتصادي إلى غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ يلبي تفضيلاتهم وإحتياجاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.١ من ناحية أخرى، يُعدّ إنعدام الأمن الغذائي من أهم هواجس الصحة العامة، ويؤثر على ملياري شخص حول العالم تقريبًا، وهو يتركّز بشكل أساسي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - حيث يعاني ١١.٨٪ من السكّان من إنعدام الأمن الغذائي الشديد.٢
أمّا لبنان، فهو من أصغر البلدان متوسطة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويحتوي على أكبر تركيز للاجئين/ات لكل فرد على مستوى العالم، ويعاني من تحديات إقتصادية وسياسية ممتدة. وقد إنخفضت نسبة الأسر التي تتمتع بالأمن الغذائي فيه من ١١٪ في عام ٢٠١٥ إلى ٧٪ في عام ٢٠١٦، كما ورد في "خطة الإستجابة للأزمة في لبنان ٢٠١٧-٢٠٢٠" التي وضعتها الأمم المتحدة،٣ وهي في تدهور مستمر. يمر البلد هذا العام في ذروة أزمة إقتصادية متراكمة منذ سنوات، ناهيك عن الوباء المستجد الخارج عن السيطرة، والإنفجار الهائل الذي دمّر العاصمة بيروت في الرابع من آب ٢٠٢٠ وأسفر، بحسب وكالة رويترز، عن مقتل أكثر من ١٧٠ شخصًا وتشريد مئات الآلاف من منازلهم، وهدّم أهراءات بيروت التي تخزن معظم إمدادات القمح في البلاد، كما ألحق أضرارًا بالغة بميناء بيروت، نقطة الدخول الرئيسية للبضائع المستوردة عن طريق البحر ويغطي ٨٠% من حركة الشحن البحري في لبنان.٤ ولا يقتصر تأثير هذه الأوضاع على اللبنانيين/ات، وهو يطال السكّان من غير اللبنانيين/ات، بمن فيهم/ن السوريين/ات القادمين/ات هربًا من الظروف القاسية التي تمر بها بلادهم/ن كما الفلسطينيين/ات.
تسببت الأزمة المستمرة بخسارة الكثيرين/ات لعملهم/ن ومصدر قوتهم/ن الوحيد. ووفقًا لدراسة أجراها برنامج الأغذية العالمي، أفاد ٣٠% من اللبنانيين/ات تقريبًا عن فقدانهم/ن لوظائفهم/ن منذ تفشي فيروس كورونا وإجراءات الإحتواء اللاحقة. ومن بين أولئك الذين فقدوا وظائفهم/ن، وجد البرنامج أن ٤٢% تتراوح أعمارهم/ن بين ٢٠ و٢٤ عامًا، وهو العمر المعتاد لبداية توفير المال وبناء مستقبل ناجح. إضافة إلى ذلك، فَقَدَ حوالي ٤٠٪ من الفلسطينيين/ات العاملين/ات و٥٢٪ من القوى العاملة السورية في لبنان وظائفهم/ن. أما بالنسبة للأشخاص الذين لم يبلغوا/ن عن فقدانهم/ن لوظائفهم/ن، فقد أفاد/ت ٢٣٪ من العمال/العاملات اللبنانيين/ات عن تخفيض أجورهم/ن مؤخرًا، مقارنة بـ٢١٪ من الفلسطينيين/ات وحوالي ١٨٪ من السوريين/ات، بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي.
نتيجة لذلك، لجأت أسرة من كل خمس أسر إلى عدّة آليات تكيّف طارئة لتعويض نقص الموارد المالية اللازمة للبقاء، مثل إقتراض الأموال، وتقليل النفقات الأساسية غير الغذائية، وإستهلاك عدد أقل من المنتجات الغذائية والمواد الغذائية منخفضة الجودة، والتوقف عن إرسال الأطفال إلى المدرسة، إستعارة الطعام، والتسول، وذلك وفقًا للتقرير أعلاه. ومن الواضح أن اللبنانيين/ات والفلسطينيين/ات والسوريين/ات إستخدموا مجموعة متنوعة من إستراتيجيات التكيّف للتعامل مع الظروف القاسية في محاولة لتوفير الغذاء للأسرة. على سبيل المثال، إعتمد اللبنانيون/ات على "تقليل الإنفاق على الطعام" أو "الإنفاق من المدخرات" أكثر من الفئات الأخرى، لأن اللبنانيين هم من إضطروا في الغالب على التخلّي عن بعض الرفاهية التي يمتلكونها، والتقليل بشكل كبير من الإستهلاك الذي يصف المجتمع اللبناني الحديث، نتيجة التقلبات الهائلة في أسعار السلع، مما أجبرهم على التكيّف مع نمط جديد للعيش. ويضطر اللبنانيون/ات اليوم إلى إختيار المنتجات الأرخص، بينما تتجه أغلبية الفلسطينيين/ات والسوريين/ات إلى طلب الدعم من الأصدقاء والمنظمات. أمّا إرسال الأطفال للعمل فكان الأعلى بين السوريين/ات، يليه اللبنانيين/ات ثم الفلسطينيين/ات.
أمّا بالنسبة لنمط الطعام، كان السوريون/ات أكثر ميلًا إلى التخلي عن إحدى الوجبات أو الإعتماد على وجبة واحدة في اليوم مقارنة مع المجموعتين الأخرتين، مما قد يشير إلى الدور الحيوي الذي يلعبه مكان السكن بالنسبة للسوريين/ات في عكّار وبعلبك بشكل عام، أي اثنتين من أكثر المحافظات حرمانًا في لبنان، عدا عن ضعف إحتمال ارتباط السوريين/ات بشبكات دعم متبادل نظرًا لوجودهم/ن الحديث نسبيًا.
وجاءت جائحة كوفيد-١٩ لتفاقم أسوأ أزمة إقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، حيث إرتفعت أسعار المنتجات الغذائية بنسبة ٤٠% في الأشهر الثلاثة الماضية،٥ مما تسبب بشعور بتراجع الأمن الغذائي أكثر فأكثر لدى الأسر التي كانت تعيش سابقًا فوق خط الفقر، أي قبل تشرين الأول ٢٠١٩. وعند السؤال عن قلقهم/ن من غياب ما يكفي من الطعام في الشهر الماضي، تبين أن ٧٥٪ من اللاجئين/ات السوريين/ات يشعرون بهذا القلق، يليهم ٦٣٪ من الفلسطينيين/ات، و٥٠٪ من اللبنانيين/ات. وهو أمر يُنذر بالأسوأ، خاصة وأن هذه الأرقام جاءت في حزيران ٢٠٢٠، أي قبل إنفجار ميناء بيروت وفقدان كثير من الأشخاص لوظائفهم/ن وأعمالهم/ن.
تُنذر الأزمة الإقتصادية في لبنان وتفشي جائحة كورونا بإرتفاع معدّلات إنعدام الأمن الغذائي ووقوع مزيد من الناس في الفقر وإضطرارهم للقبول بأي وظيفة للإستمرار. وستنعكس هذه الأزمة على سلامة الأغذية في السوق اللبنانية وبالتالي سيتأثر الأمن الغذائي بشكل أكبر. فكيف يحصل ذلك؟ تشير سلامة الأغذية إلى الشروط والممارسات التي تحافظ على جودة الغذاء لمنع التلوث والأمراض التي تنقلها الأغذية، وهي تندرج تحت العنوان الكبير للأمن الغذائي. ومع كل ما يحدث في لبنان، سيرغب المصنعون في زيادة أرباحهم وخفض تكاليفهم بأي طريقة ممكنة حتى على حساب سلامة وجودة الطعام المُنتج. مثال على ذلك هو حادثة الشاحنة غير المبردة التي تم العثور عليها وهي تنقل الجبن المهرب في ظل ظروف حفظ ودرجة حرارة غير مناسبين في ٢٢ نيسان ٢٠٢٠ وفقًا لمركز النهوض الإعلامي والثقافي والإقتصادي.٦ وتجدر الإشارة أيضًا إلى فضيحة الدجاج الشهيرة التي كشفت عنها صحيفة ديلي ستار لبنان في ٢٢ حزيران، عندما صادرت الحكومة ٤٠ طنًا من الدجاج منتهي الصلاحية تعود إلى ٢٠١٦-٢٠١٧، وهي جاهزة للطرح في السوق.٧ لكن، ورغم المخاطرة المتعلقة بسلامة الطعام، سيضطر السكان إلى إستهلاكه مما يزيد من معدل الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية التي تشكل في حد ذاتها عبئًا على الصحة العامة وتساهم بشكل كبير في تكلفة الرعاية الصحية التي ستؤدي بدورها إلى حلقة مفرغة من إستنزاف الإقتصاد وزيادة إنتشار إنعدام الأمن الغذائي في لبنان.
أمام هذا الهاجس الأساسي حول الصحة العامة، يُصبح من الملح للغاية تنفيذ مسار عمل واضح وحازم وإتخاذ جملة من التدابير، توفّر مما توفره دعمًا وطنيًا ودوليًا للمساعدة في زيادة الأمن الغذائي من خلال دعم الإنتاج الغذائي المحلي الذي سيخلق فرص عمل جديدة ويعزز الإقتصاد. علينا الترويج لأقرب بنك طعام لبناني والتطوع والمشاركة فيه، لأنه، كما قالت الكاتبة الأمريكية سالي كوخ ذات مرة: "نادرًا ما تأتي فرص كبيرة لمساعدة الآخرين، ولكن الفرص الصغيرة تحيط بنا كل يوم!"
نينات جعجع أخصائية تغذية وخبيرة في سلامة الغذاء تخرجت بمرتبة الشرف من جامعة الروح القدس في الكسليك. تعمل حاليًا بشكل مستقل كمفتش/ة ومدقق/ة في سلامة الأغذية. وهي أيضاً طالبة ماجستير في مجال صياغة الأغذية والأمن. تقدم نينات دورات قصيرة ودورات تدريبية حول سلامة الأغذية وإدارة الجودة. في العام ٢٠١٩، كانت نينات مسؤولة الإمتثال لمعايير سلامة الأغذية في وزارة الصناعة اللبنانية في مشروع تفتيش مصانع الأغذية، وذلك في إطار خطة سلامة الأغذية وجودتها. بهدف دمج العلم والتواصل مع الجمهور العام معًا، تركز حالياً دراساتها على الأمن الغذائي مع الإقرار بأهمية هذا الجانب على الصحة العامة.
1 FAO, IFAD, UNICEF, WFP and WHO (2019). The State of Food Security and Nutrition in the World 2019. Safeguarding against economic slowdowns and downturns. Rome, FAO.
2 Food and Agriculture Organization of the United Nations (2017). The State of Food Insecurity in the World.
3 United Nations Lebanon (2017). Lebanon Crisis Response Plan 2017-2020.
4 Dahan, Maha El, and Ellen Francis. "Exclusive: Lebanon Navigates Food Challenge with No Grain Silo and Few Stocks." Reuters. Thomson Reuters, 07 Aug. 2020. Web. 30 Sept. 2020.
5 More people living in poverty in Lebanon, says World Bank. (2020, February 9).
6 The Center for the Advancement of Media, Cultural and Economic Read more by clicking on the following link: http://www.alnuhud.com/?p=24418.
7 Daily Star Lebanon. "Lebanon Confiscates 40 Tons of Expired Chicken." 2020. Web. 30 Sept. 2020.
8 World Food Programme (2020) Assessing the Impact of the Economic and COVID-19 Crises in Lebanon - June 2020 – Lebanon.