العقبات أمام المرشّحات في الإنتخابات السياسية
دمج نتائج تقارير شركاء WE4L حول الإنتخابات اللبنانية ٢٠١٨
بقلم لودي عيسى وترجمة غسان مكارم
شهدت أول انتخابات برلمانية في لبنان منذ العام ٢٠٠٩ رقماً قياسياً من المرشحات تاريخياً. وبينما تمثّل الزيادة الكبيرة في عدد المرشحات خطوة إلى الأمام نحو مشاركتهن في عمليات صنع القرار، تظهر الحاجة للقيام بالعديد من التغييرات الهيكلية كي تتمكن المرأة من تولي مناصب السلطة في لبنان.
كان عدد النساء اللواتي ترشحن للبرلمان مؤخراً أكبر بسبعة أضعاف من اللواتي ترشّحن قبل تسع سنوات، حيث تم تسجيل ٨٦ و١٢ مرشحة في ٢٠١٨ و٢٠٠٩ على التوالي، لكن هذه الزيادة في عدد المرشحات لم تقابلها زيادة مهمة في عدد اللواتي تم انتخابهن. فمن بين جميع المرشحات، وصلت ستة فقط إلى البرلمان بعد حصولهن على الأصوات الكافية من الناخبين. وقام العديد من المنظمات الشريكة في برنامج "نساء متمكنات من القيادة" (WE4L) بدراسة انتخابات ٦ أيّار/مايو من منظور النوع الاجتماعي، وسلّطت الضوء على العقبات القانونية والاقتصادية والاجتماعية المتنوعة في طريق المشاركة السياسية الفعّالة للنساء في لبنان.
"عندما أطلقنا المراقبة على أساس النوع الاجتماعي، اعتبرنا أن الغرض من ذلك يتعدّى تسليط الضوء على التجارب الانتخابية النسائية، إلى الضغط في وقت لاحق على صنّاع القرار، وخاصة الأحزاب السياسية، لتحسين المشاركة السياسية للمرأة داخل أحزابها، من خلال تسليط الضوء على وضعهن خلال العملية الانتخابية بأكملها،" يقول علي سليم، منسق الأبحاث في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي)، شريكة WE4L.
في تقريرها الأخير حول "مراقبة الانتخابات النيابية لعام ٢٠١٨ من منظور جندري"، صرّحت الجمعية أن القانون الانتخابي الجديد قلل من احتمال انتخاب كل من النساء المرشحات والمرشحين/ات المستقلين/ات. ومع اعتماد رسوم ترشيح (٥٢٩٢ دولار أميركي) تمثّل أربعة أضعاف رسوم الترشيح لعام ٢٠٠٩، عزّز القانون مكانة مرشحي الأحزاب السياسية المهيمنة وشكّل عاملاً اقتصادياً سلبياً في وجه الشخصيات السياسية الجديدة ومعظم النساء، اللواتي غالباً ما كن في قوائم سياسية مستقلة أو غير تقليدية. فضلاً عن أن النظام الاقتراعي التفضيلي،١ الذي يفرض على المقترعين انتخاب قائمة مرشحين/ات واحدة والإدلاء بصوت تفضيلي واحد من تلك القائمة، يبدو متحيّزاً أيضاً للشخصيات السياسية المعروفة. وبحسب "لادي"، حصلت ٢٥ مرشحة على أقل من ١٠٠ صوت تفضيلي في أقضيتهن. وفي دائرة بيروت ٢ الانتخابية، حصل أعلى مرشح من الذكور في لائحة "لبنان حرزان" على أكثر من ١١٠٠٠ صوت تفضيلي (٩.٢٪ من مجموع الأصوات)، مقابل اثنين من الإناث في تلك القائمة الانتخابية، اللواتي حصلن على ٢٣٧ (٠.١٩٪) و١٦٩ (٠.١٤٪). ويظهر أثر نظام الاقتراع التفضيلي بوضوح عند مقارنة العدد القياسي من المرشّحات بالعدد المنخفض من الأصوات التفضيلية.
وقد ذكرت العديد من المرشحات اللواتي تمّت مقابلتهن من قبل شركاء WE4L الحاجة إلى نظام الكوتا النسائي، وشاركن خبراتهن الشخصية في الإعلان عن ترشّحهن، وتشكيل القوائم، والحملات الانتخابية، ويوم الانتخابات. وبالرغم من تزايد مطالب مختلف المجموعات النسوية في البلاد على مدى العقد الماضي، وتوصيات الاستعراض الدوري الشامل في الأمم المتحدة لعام ٢٠١٥ بشأن اتّباع تدابير خاصة مؤقتة تزيد من مشاركة المرأة في السياسة اللبنانية، لم يقم قانون الانتخابات باعتماد الكوتا النسائية.
كما شكّل سقف الإنفاق الانتخابي المرتفع حاجزاً أمام المرشحات، فوفقاً لتقرير مؤسسة مهارات حول "المرأة في وسائل الإعلام - انتخابات عام ٢٠١٨"، وخلال حفل إطلاقه بالشراكة مع WE4L، اكّدت عدة نساء فرض القنوات الإعلامية الخاصة سعراً أدنى يبلغ ٢٥٠٠٠ دولار أميركي للتغطية التلفزيونية. وشدّدت المؤسسة في تقريرها على نقص تمثيل النساء المرشحات في وسائل الإعلام اللبنانية خلال الانتخابات إلى حد كبير. واقترحت مهارات وضع سقف للإنفاق على الدعاية لتحرير المساحات الإعلانية التي سبق أن اشتراها المرشحون المهيمنون، وبالتالي تحسين فرص وصول المرشحين/ات الأقل حظاً إلى الجمهور.
وقد رصدت مهارات ست صحف وثمانية محطات تلفزيونية مختلفة لمدة شهرين قبل يوم الانتخابات، وكشفت المؤسسة أن النساء المرشحات حصلن على ٥٪ من التغطية في الصحف، و١٢٪ من المقابلات التلفزيونية والبرامج الحوارية، وأقل من ٤٪ في نشرات الأخبار التلفزيونية، مقابل المرشحين الذكور، الذين حصلوا على ٩٥ و٨٨ و٩٦٪ من التغطية من خلال تلك الوسائل. إضافة إلى ذلك، ظهرت المرشحات في الفقرة الأولى في نشرات الأخبار أقل من ١٪ من الوقت.
فملكية الوسائل الإعلامية الخاصة من قبل الأحزاب السياسية القائمة تؤثّر على التصويت من خلال استبعاد المرشحين/ات المستقلين/ات والجدد من التغطية. ووفقاً لتقرير ما قبل الانتخابات وما بعدها من قبل "دعم لبنان"، وهي منظمة شريكة لـWE4L تهدف لتعزيز المجتمع المدني من خلال خلق أماكن عامة للتفكير، فإن ٩٪ فقط من المرشحات لانتخابات ٢٠١٨ تم ترشيحهن من قبل الأحزاب السياسية القائمة. وبما أن معظم النساء لا ينتمين إلى الأحزاب السياسية الرئيسية، فإن الكثيرات منهن لم يتلقين أي تغطية في وسائل الإعلام. ومن بين النساء الست اللواتي حصلن على مقعد نيابي، أتت خمسة منهن ضمن قوائم الأحزاب السياسية الرئيسية وواحدة هي مقدمة برامج تلفزيونية مستقلة ومعروفة.
ومن خلال تنظيم أفضل لوسائل الإعلام خلال الانتخابات، يمكن للتغطية الحيادية والنزيهة تعزيز ثقة الجمهور بالنساء اللواتي يشغلن الآن مجرد ٤.٦٪ من المقاعد البرلمانية، وفقاً لمؤسسة مهارات. وبدوره، يمكن أن يؤدي توليد الدعم العام للمرشحات إلى زيادة ثقة الشخصيات السياسية الأخرى فيهن واحتمال تشكيل قوائم تضمّهن. ففي البداية، أعلنت ١١٣ من النساء ترشيحهن قبل أن تنسحب ٢٧ امرأة. وكشفت الدراسات المنفصلة التي أجرتها مهارات ولادي أن النساء، بما في ذلك اللواتي سحبن ترشيحهن، قد واجهن صعوبات في الانضمام إلى القوائم الانتخابية، وهو شرط للترشّح بموجب القانون الانتخابي الجديد.
كما ركز بحث نوعي آخر أجراه مركز دعم لبنان على المرشّحين المستقلّين والنساء بالعلاقة مع مع السلوك الانتخابي للناخبين اللبنانيين. وقد كشفت مجموعات التركيز التي أجرتها المنظمة المستقلة أن الناخبين/ات لا يختارون/يخترن القوائم الانتخابية على أساس الاقتناع بجميع أعضائها، بل يميلون إلى اختيار قوائم انتخابية تشمل المعارف على أساس زبوني، مما يجعله من غير المحتمل الاقتناع بالتغيير من خلال التصويت لجهات فاعلة أو قوائم سياسية جديدة. ووفقاً لتقرير دعم لبنان، فإن هذا السلوك الانتخابي المحافظ يمكن أن يكون مدفوعاً بالحاجة إلى الخدمات الزبائنية التي يقدمها المرشحون السياسيون المعروفون والخوف من فقدان الامتيازات.
وبالرغم من دعم وجود النساء في السياسة، فقد كشف/ت الناخبون/ت في مجموعات التركيز عن رغبتهم/ن في رؤية نساء مؤهلات سياسياً بشكل كبير، مقابل السياسيات "العاديات"، وهو شعور لا ينطبق على المرشحين الذكور. وأشار تقرير دعم لبنان بشكلٍ واضح إلى ثقافة عامة في لبنان تفترض أن الرجال مؤهلين بشكل طبيعي للتعامل مع مسؤوليات المنصب السياسي.
كشفت دراسات شركاء WE4L عن الحاجة إلى العديد من الإصلاحات الهيكلية المترابطة قبل تمكّن المرأة من تولي مناصب قيادية في لبنان، وأن يتم قبولها من قبل عامة الناس وضمن الدوائر السياسية كقائدة متمكّنة. ويضع القانون الانتخابي المرأة في موقع أقل حظوة على عدة جبهات، ويقترح شركاء WE4L في التقارير المختلفة وضع قانون انتخابي يسمح بالترشح على أساس فردي وليس كجزء من قائمة، بما في ذلك تحديد كوتا تفرض على الأحزاب السياسية إشراك النساء في قوائمها.
ومن شأن التخلّي عن رسوم التسجيل الضخمة وخفض سقف ميزانيات الحملات الانتخابية أن يسمح للنساء، والمرشحين المستقلين الجدد، بالحصول على التغطية والظهور التي يتم حرمانهم/ن منها حالياً بسبب العقبات الاقتصادية. وعلى التغييرات في القانون الانتخابي أن تأتي مصحوبة بتغييرات في وسائل الإعلام عند الانتخابات، التي تتحيّز إلى بعض السياسيين الراسخين في الوقت الحالي بسبب ارتباطاتها مع مختلف الأحزاب السياسية اللبنانية. ويمكن لوسائل الإعلام المحايدة والعادلة أن تساعد في تغيير النظرة الاجتماعية للمرشحات من قبل عامة الناس، مع إدراك المواطنين لقدرات المرأة في المناصب القيادية.
ويؤكّد علي سليم من لادي: "نعتقد بضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام والفرص للنساء، وذلك من خلال العمل على القضاء على جميع العوائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية بشكل فعّال."
لودي عيسى صحفية متخصصة بالنشر المتعدد الوسائط، وقد تخرجت من الجامعة الأمريكية في بيروت بتخصص مزدوج في علم النفس/الإعلام والإتصالات. تعمل حالياً مراسلة وكاتبة في وسائل الإعلام الإجتماعي في عدد من المنظمات، كما تشغل منصب محررة في بيروت اليوم، منصة إخبارية مستقلة. إنطلاقاً من رغبتها بتسليط الضوء على الفنون والثقافة في لبنان، شرعت في تطوير سلسلة من المقالات المعمقة مع عدد من الموسيقيين/ات المحليين/ات. كما أنّها مصورة غالباً ما تعثر عليها متعثّرة بالأسلاك في المسارح ودور العرض.
1 يطلب نظام الاقتراع من الناخبين اختيار قائمة مرشحين/ات في أقضيتهم/ن، بدلاً من التصويت للأفراد. ثم يختارون ويخترن "صوتًا تفضيلياً" واحداً من تلك القائمة، وي/تفوز المرشحون/ات الحاصلين/ات على أعلى نسبة من الأصوات التفضيلية بالمقاعد المخصصة لهذه القائمة الانتخابية.