ما الذي سيتطلّبه الأمر حتى تفوز النساء؟
أهمية تحليل سلوك الناخبين/ات اللبنانيين/ات لرفع عدد المرشحات
بقلم دورين خوري وترجمة كلودين فرح
وصلت نسبة مشاركة النساء السياسية إلى مستويات غير مسبوقة إذ ترشّحت ١١٣ إمرأة على الإنتخابات النيابية التي تمّت في ٦ أيار/مايو ٢٠١٨، متحديات بذلك النظام السياسي الذكوري العدائي ووسائل الإعلام الخاصة المتحزّبة وموقف الناخبين/ات المشكك. كان إنجازًا إستثنائيًا في بلد يحلّ في أدنى المراتب (المركز ١٣٧ بين ١٤٤ بلدًا) في المؤشر العالمي للفجوة الجندرية١ – في إنتخابات ٢٠٠٩، ترشّحت ١٢ إمرأة فقط.
غير أنّ ترشّح نحو مئة إمرأة إضافية في العام ٢٠١٨ لم يكن كافيًا لفوزهن إذ بالكاد تحسّن التمثيل النسائي في البرلمان من أربعة مقاعد إلى مجرد ستة مقاعد، وذلك من أصل ١٢٨ مقعد نيابي. وعقب ذلك، تبدّدت النشوة الأولى في الحركة النسائية اللبنانية لتحلّ محلّها المساعي إلى التأمّل الذاتيّ. فقامت المحامية والناشطة الحقوقية البارزة منار زعيتر، مثلًا، بنشر تدوينة عبر فيسبوك في ٩ أيار ٢٠١٨ تحثّ فيها جميع الناشطين/ات والمنظمات العاملة في مجال مشاركة المرأة السياسية إلى إعادة النظر في الإستراتيجيات والرسائل المعتمدة، وإلى النقد الذاتي البنّاء على ضوء نتائج الإنتخابات التي كان حضور المرأة فيها ضعيف.
ما الذي يمنع النساء من النفاذ إلى المناصب السياسية؟ تتوفّر تحاليل كثيرة حول الحواجز البنيوية المترسّخة التي تواجهها النساء أثناء محاولة بناء حياة مهنية سياسية.٢ نعلم أنّ بيئة الأحزاب السياسية غير مرحّبة بالنساء نظرًا إلى طبيعتها الذكورية. ونعلم أنّ النظام السياسي زبونيّ فاسد تسيطر عليه فئة حاكمة تسعى بشراهة إلى حراسة نفوذها وإمتيازاتها. كما نعلم أنّ عبء التقاليد والأعراف الإجتماعية الذكورية يُلقى على كاهل النساء في سن مبكرة، ما يزيد من صعوبة ولادة الطموح لديهن لدخول المجال السياسي. فالدعم العائلي والمجتمعي والمادي غير متوفّر لهن مطلقًا.
وتبقى مواجهة هذه التحدّيات مهمة مهولة للناشطين/ات حيث شهد العقد الماضي عدة حملات ومشاريع وبرامج تستهدف الحكومة والأحزاب السياسية، على المستويين المحلي والوطني، وتسعى إلى سدّ الثغرة الجندرية في التمثيل السياسي لتحفيز وجود عدد أكبر من النساء في المراكز السياسية. كما بُذلت الجهود على مستوى القاعدة الشعبية لتغيير الرأي العام بشأن تولّي المرأة المراكز القيادية. ولكن ذلك كله لم يجدِ نفعًا كبيرًا للأسف إذ لعل هذه الجهود ساهمت في إرتفاع ملحوظ في عدد المرشّحات، ولكنها لم تحدث الوقع المطلوب؛ عبر إقناع الناخبين/ات بتغيير العادات المتأصّلة والتصويت للنساء.
ما الذي يحفّز الناخبين/ات اللبنانيين/ات؟ ما الذي يتوقّعونه من المرشّحين/ات قبل الإنتخابات؟ ما الذي يعنيه لهم الإقتراع كمواطنين/ات؟ خلال عملنا على برنامج "سيدات مشاركات في العمل السياسي"٣ WE4L، لاحظنا أنّ الاطّلاع على النواحي التقنية من الترشّح للمناصب السياسية لا يكفي لإقناع الناخبين/ات بتخطّي تردّدهم/ن بشأن التصويت، لا للنساء فحسب بل أيضًا للجهات الفاعلة السياسية الجديدة عمومًا - أيّ أحد خارج "النظام". لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة وتوفير معلومات حسّية حول سلوك الناخبين/ات حيال المرشّحات وجميع مَن يسعى إلى وجود المزيد من النساء في المراكز السياسية، أجرى مركز "دعم لبنان"، شريك برنامج "سيدات مشاركات في العمل السياسي"، قبل إنتخابات أيار ٢٠١٨ وبعدها مباشرةً، دراسة مبنيّة على مجموعات تركيز شملت جميع المناطق وسيتم نشرها قريباً. وقد كشفت الدراسة حوافز الناخبين/ات التي تبدو متناقضة ظاهريًا والتي قد تضطر النساء والجهات الفاعلة الجديدة إلى مجابهتها في الإنتخابات المقبلة.
في حين أنّ الدراسة ستقدّم تفاصيل أكثر عن سلوك الناخبين/ات وحوافزهم/ن، نستعرض هنا ملخصًا عن بعض النتائج الأساسية.
أظهرت مجموعات التركيز إنعدام الثقة بأنّ الحياة السياسية في لبنان قد تتغيّر، ما أدّى إلى الإدلاء بالأصوات بدون قناعة فعلية. وعكست الأجوبة جوًا سلبيًا عمومًا حيث ساد الشعور بأنّ نسبة المشاركة في الإنتخابات (٤٩.٧%) كانت متدنّية جدًا عام ٢٠١٨، رغم أنها متشابهة إلى حدّ ما مع النسب التي سجّلتها الإنتخابات السابقة (٤٦.٧% عام ٢٠٠٥، و٥٣.٩٨% عام ٢٠٠٩).٤ أما الناخبين/ات منهم/ن فقد عبّروا عن شكّهم/ن بأنّ التصويت سيحدث أيّ وقع إيجابي على حياتهم/ن، فكانوا متعاطفين/ات مع من إمتنع عن التصويت على إعتباره قراراً منطقيًا.
وإن تعمّقنا أكثر، نرى الدوافع المتضاربة لدى الناخبين/ات بناءً على التباين الظاهر في مجموعات التركيز بين طموحاتهم/ن وواقعهم/ن اليومي. ففي حين أقرّوا أنه لا بدّ من مجموعات سياسية جديدة لإحداث تغيير سياسي، كانوا متردّدين/ات جدًا بشأن إنتخاب جهات فاعلة سياسية جديدة مثل تحالف "كلنا وطني". كما عبّر المشاركون/ات عن إمتعاضهم/ن تجاه الجهات الفاعلة السائدة، ولكنهم قالوا في الوقت عينه إنهم سيصوّتون للجهات الفاعلة السائدة عينها أو للقوى التقليدية البديلة. في النهاية، لم يكن الناخبون/ات يعتقدون أنّ الجهات الفاعلة السياسية الجديدة ستفوز فإنتخبوا "إستراتيجيًا" الأحزاب الموجودة بهدف عدم "هدر" أصواتهم/ن.
كان هذا التناقض يتطلّب المزيد من التحليل؛ إذ رغم أنّ العديد من الناخبين/ات المشاركين/ات في مجموعات التركيز كانوا يفضّلون مرشّح/ة لديه/ا مبادئ عالية مثل النزاهة والشفافية، فقد أعطوا أصواتهم/ن للمرشّح/ة الذي/التي قدّمت خيار "الصفقات"، أي وفّر/ت الخدمات والمنافع لأسرة الناخب/ة. وكان هذا بإعتبار البعض عاملًا حاسمًا أكثر من التحزّب تجاه الزعماء أو الأحزاب السياسية. ورغم أنّ العديدين/ات يعتبرون أنّ الاتّكال على الأحزاب السياسية والزعماء التقليديين للحصول على الخدمات أمرًا مثيرًا للإشمئزاز، يشعر معظم الناخبين/ات أنه لا يمكن الحصول على تلك الخدمات إلاّ من خلال المحسوبية السياسية (ومن الأمثلة عن تلك الخدمات بحسب ما ورد في مجموعات التركيز، فرص التوظيف لأفراد العائلة، والتغطية الطبية، وتسديد الأقساط المدرسية).
أما من جهة التصويت للنساء بالتحديد فيمكن إبداء ملاحظتين سريعتين بناءً على الدراسة.
أولًا، إستخدام التعابير المذكّرة لوصف الإنتخابات حيث إعتبر البعض الإنتخابات "معركة وجودية" - معركة يفترض بأنّ المرأة لا تستطيع خوضها لشدّة ضعفها، بينما شبّه البعض الآخر السياسة في لبنان بمعركة بين المجتمعات المحلية على الحقوق والإمتيازات، فإعتُبر الرجل قادرًا أكثر من المرأة على "الدفاع" عن هذه الحقوق.
وثانيًا، طريقة الإدلاء بالأصوات التفضيلية حيث إختار الناخبون/ات عمومًا ثلاث فئات من المرشّحين: الزعيم السياسي أو الطائفي على اللائحة؛ والمرشّح الذي أوصاهم الحزب بإنتخابه حرصًا على عدد كافٍ من الأصوات في اللوائح المؤلّفة من تحالفات بين عدة أحزاب؛ وأخيرًا مرشّح من الطائفة عينها. وفي كلٍ من هذه الحالات الثلاث، كان المرشّحون ذكورًا.
لا شك في أنّ هذه النتائج محبطة بالنسبة لجميع الناشطين/ات والمجموعات الداعية إلى حضور أقوى للمرأة في السلطة. أنواصل الضغط على السياسيين الممانعين للتخلّي عن نفوذهم وإمتيازاتهم، رغم عدم إحرازنا أي نتائج ملموسة غير المداهنة والوعود الكاذبة بشأن التمثيل النسائي؟ أم نكف عن تكبّد العناء مع الحكومة والطبقة السياسية ونركّز بدلًا من ذلك على تغيير سلوك الناخبين/ات المشكّك تجاه المرأة والجهات الفاعلة السياسية الجديدة، كوسيلة أساسية للإطاحة بهؤلاء السياسيين؟
من الواضح أنّ سلوك الناخبين/ات يساهم في إستمرارية النظام السياسي المجحف بحق النساء والجهات الفاعلة السياسية الجديدة. لا أزعم مطلقًا أنني أملك حلولًا مضمونة ولكن برأيي يجدر بالإستراتيجيات المقبلة أن تركّز على مسارين متكاملين لمعالجة سلوك الناخبين/ات: يبدأ أحدهما من الأعلى والثاني من الأسفل.
من الأعلى: إعادة إحياء حملة الكوتا النسائية
يجب توفير المجال للمرأة لتثبت جدارتها للناخبين/ات. بما أنّ الأحزاب السياسية ترفض ترشيح النساء، وبما أنّ وسائل الإعلام لا تعطيهن حصة محقة من التغطية للنفاذ إلى الناخبين/ات، فإنه من واجب الحكومة أن تقرّ الكوتا النسائية لتحظى المرأة بفرصة للوصول إلى المراكز العامة وربما تبديد شكوك الناخبين/ات. على المدى القصير والمتوسط، لا أرى أيّ سياسة أخرى أو إصلاح أو حملة يمكنها إيصال عدد أكبر من النساء إلى البرلمان. تعود المطالبة بالكوتا النسائية إلى أكثر من عشرين سنة، وبالتحديد منذ إنضمام لبنان إلى إﺗﻔﺎﻗﻴﺔ الأمم المتحدة للقضاء ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ضدّ اﻟﻤﺮأة (سيداو).٥ صحيح أنها نشأت مع الجيل السابق من الحركة النسائية وكانت حتمًا نخبوية آنذاك، ولكن لا بدّ أن نتساءل: إذا كان الناخبون/ات لا يصوّتون للمرأة والطبقة السياسية لا تريدها أن تترشّح أو تفوز، فما الخيار البديل أمامنا؟
من الأسفل: إقناع اللبنانيين/ات بالإقتراع تبعًا لطموحاتهم/ن
قبل أن نصرف النظر عن هذه الإستراتيجية بحجّة أنها حالمة وخيالية، أظن أنها تستحق الأخذ بالإعتبار. إذا إستسلمنا لفكرة أنه من المستحيل أن تتغيّر الحياة السياسية في لبنان نحو الأفضل وأنّ المواطنين/ات اللبنانيين/ات لن ينتخبوا أبدًا شخصًا من خارج "النظام"، فإننا نحكم على أنفسنا بالسجن المؤبّد في حلقة مفرغة من الأمل المتردّد والخيبة الساحقة مع كل إنتخابات. بناءً على النتائج المذكورة سابقًا، لعلّ الإستراتيجية الطويلة الأمد للمرشّحات والجهات الفاعلة السياسية الجديدة تقضي بالتوجّه مباشرةً إلى الدوافع المتناقضة لدى الناخبين/ات اللبنانيين/ات، وإيجاد طريقة لمناشدة طموحاتهم/ن وآمالهم/ن من جهة والإقرار بإحتياجاتهم/ن الملحّة من جهة أخرى. ليست المهمة مستحيلة ولكنها تستدعي أولًا إعطاء المرشّحين/ات الأولوية لما يريده المقترعون/ات بدلًا مما يريدونه هم/ن، وثانيًا الإستثمار على المدى البعيد في إكتشاف ما يريده المقترعين/ات. ويمكن إستخدام التقرير الذي سينشره مركز "دعم لبنان" كنقطة إنطلاق لتطبيق هذه المقاربة.
تنطوي كلتا المقاربتين السابقتين على نفضة شاملة، أو على الأقل إعادة نظر، في مقارباتنا الحالية لإيصال المزيد من النساء إلى مراكز السلطة. فعلى حملة الكوتا النسائية الجديدة أن تخرج عن نطاقها النخبوي الحالي لتشمل، لا بل ليقودها جيل جديد من الناشطين/ات غير المنتمين/ات إلى المنظمات النسائية التقليدية. على المرشّحات الطامحات (وكلّ مَن يدعمهن) أن يعتمدن مقاربة طويلة الأمد والتفاعل مباشرةً وبإستمرار مع المقترعين/ات لتغيير سلوك التصويت لصالحهن. ولا بدّ من تخصيص الرسائل لتكون شاعرة مع المقترعين/ات، وعلى المرشّحات أن يجدن طرقًا للعمل مع المجتمعات المحلية لمساعدتها على تلبية إحتياجاتها الإجتماعية والإقتصادية. تظهر النتائج الملخّصة أعلاه أنّ الناخبين/ات يدركون تمامًا أنّ السياسة في لبنان معتلّة. قد يكون المواطنون/ات مستعدّين/ات لإعطاء المرشّحات والجهات الفاعلة غير السائدة فرصة في فترة ما بين الإنتخابات، وهي فترة حتمًا يشعرون خلالها بالخيبة تجاه عدم إحراز الحكومة الحالية أيّ تقدّم يُذكر. ولكن الأمر يشترط أن نضع نصب أعيننا، كهدف بعيد المدى، إعادة صياغة كيفية ممارسة السياسة في لبنان وإعادة تحديدها بشكل يتوجّه إلى طموحات الناخبين/ات. إنها لمهمة صعبة ومستبعدة ولكن نظرًا إلى الطريق المسدود الذي وصلنا إليه، فإنها أيضًا مهمة حيوية لا بدّ منها.
تهتم دورين خوري بحماس بالمعرفة والدعوة كأدوات للتغيير الإجتماعي والسياسي على المدى الطويل والمساواة الجندرية والعدالة الجندرية في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك. كتبت خوري بكثافة عن وضع اللاجئين/ات السوريين/ات والمجتمع المدني السوري والتحولات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسياسة اللبنانية وحقوق المرأة. كما عملت على موضوعي مكافحة الرقابة وحقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول عابري/ات الجنس. عملت خوري سابقاً في مؤسسة هاينريش بول والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية والمركز اللبناني للدراسات السياسية.
١ سنام وكيل،"إيران ودول مجلس التعاون الخليجي: مراوغة وبراغماتية وإنتهازية"، تشاثام هاوس. مرجع متوفر باللغة الإنكليزية
Sanam Vakil, ‘Iran and the GCC hedging, pragmatism and opportunism’, Chatham House https://www.chathamhouse.org/sites/default/files/publications/research/2018-09-13-iran-gcc-vakil.pdf
٢ كاثرين بتروني وماركوس هالينان، "السياسة والتقدّم والبرلمان في العام ٢٠١٨: السياسة والتقدّم والبرلمان في العام ٢٠١٨”، مركز دعم لبنان https://civilsociety-centre.org/sites/default/files/resources/electionsbpaper_lebwomenar_ls_online.pdf
٣برنامج تابع لهيفوس بتمويل من وزارة الخارجية الهولندية، https://womeninleadership.hivos.org/
٤للإطلاع على نسب الإقبال على التصويت الرجاء مراجعة موقع المعهد الدولي للديموقراطية والمساعدة الإنتخابية (متوفر باللغة الإنكليزية): https://www.idea.int/data-tools/question-countries-view/521/169/ctr
٥ إتفاقية الإمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، http://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/text/0360793A.pdf